الحكاية رقم 11

نقف في فناء المدرسة الابتدائية جماعات نتظر نتيجة القبول. أنهينا مرحلة الكتّاب، و أدينا امتحان القبول، و ها نحن ننتظر إعلان النتيجة. و يخرج ضابط المدرسة من حجرة الناظر و يمضي في تلاوة الأسماء من كشف بيده ثم يقول:
-- ليبق منكم من سمع اسمه و ليرجع الآخرون إلى بيوتهم.

لم أسمع اسمي. تشيع في نفسي فرحة شاملة. أعتقد أن سقوطي هو نهاية علاقتي بالتعليم و عصى المدرسين، و أنني سأستقبل من الآن فصاعدا 
حياة ناعمة خالية من الكدر.

و يسألني أبي عن النتيجة فأجيب بارتياح:
-- سقطت و رجعت إلى البيت.
-- اخص.. تصورتك أفضل مما أنت..
فأقول بسرور:
-- لا يهم!
-- لا يهم؟
-- إني أكره الكتاب و أكره سيدنا الشيخ و أكره الدروس.. فالحمدالله على أنني تخلصت من ذلك كله..
فيقطب أبي متسائلا:
-- أتظن أنك ستمكث في البيت؟
-- نعم، هذا أفضل.
-- لتلعب مع الأوباش في الحارة، أليس كذلك؟
فنظرت إليه بقلق فقال بحزم:
-- سترجع إلى الكتاب عاما آخر، و الفلقة كفيلة بمعالجة غبائك..

و أهم بالاحتجاج فيقول:
-- استعد لعمر طويل من اتعلم، ستتعلم مرحلة بعد مرحلة حتى تصير رجلا محترما..
و لم أنعم بفرحة السقوط إلا ساعات!

-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ

No comments:

Post a Comment