الحكاية رقم 15

و يزور أبي جماعة من الأصدقاء فيدور الحديث عن الثورة. لا حديث هذه الأيام إلا عن الثورة. حتى حديثنا نحن الغلمان يرطن بلغة الثورة، و لعبنا في الحارة مظاهرات و هتافات. و تصبح دوريات الإنجليز منظرا مألوفا لدينا، نمعن في الجنود النظر بذهول و نقارن بين ما نسمع عن و حشيتهم و ما نرى من جمال وجوههم و أناقتهم و نتعجب.

يدور الحديث بين الزوار عن الثورة.
-- من يصدق هذا كله أو بعضه؟!
-- إنه الله الرحمن الرحيم.
-- بخلق الحي من الميت.
-- الفلاحون و العمال و الطلبة و الموظفون و النساء يقتلون و يقتلون.
-- الفلاح يحمل السلاح و يتحدى الامبراطورية.
-- انقطعت المواصلات تماما، أصبحت مصر دويلات مستقلة!
-- و المذابح؟
-- مذبحة الأزهر.
-- مذبحة أسيوط.
-- العزيزية و البدرشين.
-- الحسينية.
-- لا أنا و لا أنت ليحيى سعد!
-- إي والله ليحيى الساحر العظيم.
-- و لكن الأموات يفوقون الحصر.
-- أحياء عند ربهم.

و ينبري رجل ليقص قصة سعد كما يعرفها، و مواقفه مع الإنجليز و الخديو قبل الثورة.
و ألمح أبي تغرورق عيناه بالدموع. و أراقبه بذهول محتقا بانفعال صامت و فيض من الدموع ينهمر على خدي.

-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ

No comments:

Post a Comment