الحكاية رقم 14

يبدأ هذا اليوم بمظاهرة هزلية. من عجب أنهم يهزلون في الفترات القصيرة التي تفصل بين المصادمات الدامية. ها هي مظاهرة ضخمة تسوق في مقدمتها حمارا مدثرا بقماش أبيض نقش عليه بالأحمر:
(( السلطان فؤاد ))
ابن بلد يمتكي الحمار واضعا على رأسه قبعة بريطانية، و الهدير يصطخب:
يا فؤاد يا وش القملة ... من قالك تعمل دي العملة
و تستقبل كالعادة بالهتاف و الزغاريد.

و أحمل لأبي خبرا من الحارة أثار خيالي فأقول له:
-- يقولون إن اسم سعد يرى منقوشا على البيض بعد خروجه من الدجاج.
فيضحك أبي، و يضحك ضيف يجالسه. و يقول الضيف عن سعد:
-- كان أعداؤه يتجنبون النظر في عينيه و هم يجادلونه تفاديا للشعاع الحاد الذي ينطلق منهما.
و يطرب أبي للكلام و يتمتم:
-- إنه هدية السماء إلينا.
فيقول الضيف متحمسا:
-- انتهت سنون النحس و بدأت أيام السعد.
و يتنهد أبي قائلا:
-- يا أسفي على الرجل الشيخ المريض في منفاه.

فأذهل و أسأل:
-- سعد مريض، كيف هذا يا بابا؟
و لا يعيرني التفاتا فأصر قائلا:
-- سعد لا يمكن أن يمرض.
ثم بيقين أشد:
-- لم يبق إلا أن تقول إنه سيموت مثل همام ابن أختي.

-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ

No comments:

Post a Comment