و أنا ماض نحو القبو ينفتح باب بيت القيرواني تاجر الدقيق وتبرز منه بناته الثلاث. منبع نور يتدفق فيبهر القلب والبصر. بيضاوات ملونات الشعر و الأعين سافرات الوجوه ينفثن ملاحة نقية. الدوكار ينتظرهن فأتسمر أنا بين الدوكار وبينهن. و يرين ذهولي فتضحك وسطاهن و هي أشدهن امتلاء وأغلظهن شفة وتقول:
-- ما له يسد الطريق!
لا أتحرك فتخاطيبني مداعبة:
-- أفق يا أنت!
و أقول متأثرا بدفقة حياة مبهمة:
-- بلبلي خون دلي خورد و كلي حاصل كرد.
فيغرقن في الضحك و تقول الكبرى:
-- إنه درويش.
فتقول الوسطى:
-- إنه مجنون!
و ألقي بنفسي فى ظلمة القبو فامضي مهرولا حتى أخرج إلى نور الساحة أمام التكية. في رأسي حماس و في قلبي نذير نشوة البراعم قبل أن تتفتح.
صورهن الباهرة مستكنة في متحف الأعماق.
بذور حب لم يتح لها أن تنمو لأنها غرست قبل أوانها.
-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ
No comments:
Post a Comment