الحكاية رقم 9 *

خبر يتردد في البيت و الحارة.
تقول إحدى الجارات لأمي:
-- أما سمعت بالخبر العجيب؟
فتسألها باهتمام فتقول:
-- توحيدة بنت أم علي بنت رجب!
-- ما لها كفى الله الشر؟
-- توظفت في الحكومة!
-- توظفت في الحكومة؟
-- إي والله.. موظفة.. تذهب إلى الوزارة و تجالس الرجال!
-- لا حول و لا قوة إلا بالله.. إنها من أشرة طيبة.. و أمها طيبة..
و أبوها رجل صحيح!
-- كلام.. أي رجل يرضى عن ذلك؟
-- اللهم استرنا يا رب في الدنيا و الآخرة..
-- يمكن لأن البنت غير جميلة؟
-- كانت ستجد ابن الحلال على أي حال..

و أسمع الألسن تلوك سيرتها في الحارة، تعلق و تسخر و تنتقد، و كلما لاح أبوها عم رجب أسمع من يقول:
-- اللهم أحفظنا..
-- يا خسارة الرجال!

توحيدة أول موظفة من حارتنا. و يقال إنها زاملت أختي الكبرى في الكتاب. و يحفزني ما سمعتها عنها إلى التفرج عليها حين عودتها من العمل. أقف عند مدخل الحارة حتى أراها و هي تغادر سوارس، أرنو إليها و هي تدنو سافرة الوجه مرهقة النظرة سريعة الخطوة بخلاف النساء و البنات في حارتنا. و تلقي علي نظرة خاطفة أو لا تراني على الإطلاق ثم تمضي داخل الحارة.

و أتمتم مرددا كالببغاء:
-- يا خسارة الرجال!

-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ

No comments:

Post a Comment