على حصيرة واحدة نقعد صبيانا وبنات في الكتاب. نتلو الآيات بصوت واحد و لا نفرق مقرعة سيدنا الشيخ بين قدم صبي وقدم بنت. وقت الغداء يتربع كل منا مستقبلا الجدار بوجهه، يفك الصرة و يفرش منديله كاشفا عن الرغيف و الجبن و الحلاوة الطحينية.
تسترق عيناني النظر إلى درويشة و هي تقرأ أو تأكل. في الطريق أتبعها حتى تميل إلى الزقاق المسدود ثم أسير إلى بيتي حاملا لوحي و صورتها.
و في موسم القرافة أضيق بالمكوث في الحوش فأمرق إلى الخارج فنتلاقى -- أنا و درويشة -- بين القبور المكشوفة بلا تدبير.
و أشطر فطيرتي فأعطيها نصف، نأكل و نتبادل النظر.
-- أين تلعبين؟
-- في الزقاق.
هي تلعب فى الزقاق المتفرع من الحارة و أنا لا أجرؤ على التسلل إليه في النهار. يمنعني إحساس خفي و لكنه غد بريء. ونتواعد بالنظر و بلا كلام. و مع المساء أدخل الزقاق فأجدها واقفة على عتبة الباب.
نقف شبحين صامتين يكتنفنا الذنب و الظلام |
نقف شبحين صامتين يكتنفنا الذنب و الظلام
-- نجلس؟
و لكنها لا تجيب.
أجلس على العتبة و أشدها من يدها فتجلس. أتزحزح حتى نتلاصق. يغمرني شعور بسرور غريب ذي أسرار. أمد يدي إلى ذقنها فأدير وجهها إلي. أميل نحوها فأقبلها. أحيط خاصرتها بذراعي. أصمت و أهيم و أذوب في دفقة إحساس مبهمة فأعرف السكر قبل الخمر.
و ننسى الوقت و الخوف
و ننسى الأهل و الحارة
حتى الأشباح لا تفرقنا
-
المصدر: كتاب حكايات حارتنا للأديب نجيب محفوظ
No comments:
Post a Comment